كلمة افتتاحية لأشغال اليوم الدراسي المخصص لتقديم ومناقشة تقريرين أعدهما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي

كلمة افتتاحية لأشغال اليوم الدراسي المخصص لتقديم ومناقشة تقريرين أعدهما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الأول في موضوع "مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم بالمغرب" والثاني في موضوع "الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين"

السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المحترم؛
السيدات والسادة أعضاء مجلس المستشارين؛
السيدات والسادة أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛
السيدات والسادة الفاعلون الذين تم الاستماع إليهم ضمن أشغال إعداد التقريرين؛
الحضور الكريم؛
يسعدني أن أفتتح أشغال هذا اليوم الدراسي الذي ينظمه مجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لتقديم ومناقشة التقريرين الذين أعدهما هذا الأخير في موضوعين بالغي الأهمية، كونهما يتماهيان تمام التماهي مع اهتمامات ووظائف مجلس المستشارين، بالنظر أولا لتأليفه التعددي وتركيبته المتنوعة (ممثلي المجالات الترابية والغرف المهنية، ممثلي التنظيمات المهنية للأجراء وممثلي التنظيمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية)، وبالنظر ثانيا للاختصاص المخول له دستوريا في مناقشة القضايا ذات الارتباط بالشؤون الاجتماعية.
السيدات والسادة،
تعتبر ظاهرة الاقتصاد غير المنظم ظاهرة كونية ترخي بظلالها على العمالة وعلى الاقتصاد الكلي، حيث يتم تصنيفه من قبل منظمة العمل الدولية على أنه يضم "جميع الأنشطة الاقتصادية الذي يقوم بها عمالٌ أو وحدات اقتصادية لا تشملها – قانونياً أو في الممارسة العملية – الترتيبات الرسمية بصورةٍ كافية أو على الإطلاق".
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف عمال العالم عالقون في الاقتصاد غير المنظم الذي يتسم بحرمان العمال من حقوقهم، ونقص فرص العمل اللائق، وعدم كفاية الحماية الاجتماعية، وغياب الحوار الاجتماعي، وانخفاض الإنتاجية. وجميعها تمثل عقبة كبيرة تقف حائلا دون تنمية المنشآت المستدامة.
وتفيد تقارير منظمة العمل الدولية، في هذا الصدد، أن "معظم الأشخاص الذين ينشطون في الاقتصاد غير المنظم، يعيشون حالة فقر ويكسبون مداخيل متدنية". كما تؤكد ذات التقارير على أنه " توجد شركات منظمة، إلا أنها تختار البقاء على هيئة غير منظمة في بعض الجوانب مثل عدم الإبلاغ عن الدخل للسلطات الضريبية أو عدم تسجيل أسماء الملاك والعمال لدى وزارة العمل أو نظام الضمان الاجتماعي" . 
وفي نفس السياق، تؤكد تقارير أممية "وجود تعارض بين الاقتصاد غير المنظم والاقتصاد المنظم في عدد من المجالات الحيويـة (...). ويؤدي ذلك إلى وجود العديد من أوجه انعدام الأمـان، وضعف العمال غير النظاميين، مثل الافتقار إلى المفاوضة الجماعية وأشـكال الحمايـة مـن التمييز. وفضلاً عن ذلك، كثيراً ما يخضع العمال غير النظاميين لتنظيم أوقات العمل بصورة متقلبة وغير آمنة والعمل لساعات طويلة. ويعمل الكثير من العمال غير النظاميين في مجـال العمل بالقطعة، مما يشجع على عادات عمل غير مأمونة ويحوّل عبء المسؤولية عن حمايـة الصحة المهنية من أصحاب العمل إلى العمال. وبالرغم من وجود بعض الأجور المرتفعة جداً في الاقتصاد غير الرسمي (مثل أصحاب المهن العاملين لحسابهم الخاص)، فإن الأغلبية الساحقة من العمال غير النظاميين ينتمون إلى فئات مهمشة ويعملون دون تدريب مناسـب، ودون احتياطات تكنولوجية وصحية مقابل أجر زهيد غير مضمون. وبالرغم من أن العـاملين في الاقتصاد غير الرسمي ليسوا جميعاً من الفقراء، وأن الفقراء العاملين ليسوا جميعاً عمالاً غـير نظاميين، فثمة تداخل واضح بين الفقر والاقتصاد غير الرسمي".  
السيدات والسادة،
على الصعيد الوطني، وبمناسبة تدارسنا للتقريرين القيمين المعروضين على أنظارنا من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مشكورا في إطار إحالة ذاتية، لا بد أن نستحضر مخرجات وخلاصات آخر الدراسات الوطنية الرسمية المنجزة في هذا الصدد، وأخص بالذكر الدراسة الصادرة عن بنك المغرب سنة 2018، والتي تفيد بأن القطاع غير المنظم مر من 3 مراحل مختلفة: خلال المرحلة الأولى، والتي تمتد من سنة 1988 إلى غاية سنة 1998، استقر حجم الاقتصاد غير المنظم في حدود 40 بالمائة من الناتج الداخلي الخام؛ قبل أن يأخذ في التراجع خلال العشرية الموالية 1999-2008 إلى 32-34 بالمائة من الناتج الداخلي الخام؛ وأن يستمر في التراجع خلال العشرية 2009-2018 إلى مستوى يقل نسبيا عن 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
وإذا كانت الدراسة المذكورة تفيد بأن الاستراتيجيات والتدابير المعتمدة من طرف الدولة لتعزيز المناخ المؤسساتي والاقتصادي والمالي قد أتت أكلها في تقليص حجم الاقتصاد غير المنظم، إلا أنها تقر بوجوب إطلاق إصلاحات هيكلية إضافية ضمن مقاربة مندمجة لمواجهة صمود الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة، لاسيما الإصلاحات ذات الصلة بالتعليم وبمنظومة العدالة وبالسياسة الجبائية وبسوق الشغل، على اعتبار أن أية سياسة معزولة وغير مندمجة لا يمكن أن تؤتي أكلها في تقليص وزن وحجم الاقتصاد غير المنظم.
السيدات والسادة،
بالعودة إلى التقريرين المعروضين على أنظارنا، يُبْرِزُ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن الاقتصاد غير المنظم، بمفهومه الواسع، يتسم بتعدد مكوناته والفئات التي يشتمل عليها. ويشير إلى أن أشكال الاقتصاد غير المنظم، باستثناء الاقتصاد غير المنظم المعيشي، تشكل تهديدا حقيقيا لبلادنا، من قبيل التهريب والأنشطة الاقتصادية المستترة التي تمارسها مقاولات مهيكلة، بالإضافة إلى الوحدات الإنتاجية غير المنظمة المنافسة للقطاع المنظم والتي تتملص عمدا من التزاماتها الاجتماعية والضريبية رغم توفرها على الموارد اللازمة لذلك. 
ويفيد تقريرا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بأنه، ورغم عديد البرامج التي أطلقتها السلطات العمومية من أجل إدماج القطاع غير المنظم، غير أن تأثير المبادرات المتخذة في هذا المضمار يظل محدوداً، وذلك لعدة أسباب تتعلق على وجه الخصوص بـمستوى التأهيل غير الكافي الذي يقصي العديد من السكان النشيطين من الاشتغال ضمن الاقتصاد المنظم؛ وبمنظومة الحماية الاجتماعية التي لا تزال حتى الآن تتسم بإدماجية ضعيفة؛ وبإشكالية تمثيلية الفاعلين المشتغلين في الاقتصاد غير المنظم؛ وبالحواجز القانونية والتنظيمية التي تعيق مسلسل إدماج الاقتصاد غير المنظم؛ وكذا بصعوبة الولوج إلى التمويل وإلى السوق.
وفي هذا الإطار، يدعو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى رفع عدد من التحديات ذات الصلة ب: (1)"تطوير منظومة المعلومات المتعلقة بالاقتصاد غير المنظم" و"توفير الظروف الملائمة لضمان تمثيلية الفاعلين بالاقتصاد غير المنظم وتشجيع تنظيم المهن"؛ (2)"إزالة الحواجز التنظيمية والإدارية التي تعيق مسلسل إدماج الاقتصاد غير المنظم، وتعزيز وسائل المواكبة المالية وغير المالية للاندماج في القطاع المنظم، وضمان ولوج أفضل للسوق"؛ (3) "تحقيق فعلية القانون وتعزيز المراقبة ومكافحة الفساد والغش، الذي يستهدف في المقام الأول الوحدات الإنتاجية غير المنظمة المنافسة للقطاع المنظم التي تتهرب عمدا من التزاماتها القانونية رغم توفرها على البنيات والموارد اللازمة لذلك"؛ (4)"ضمان حقوق العاملات والعاملين في الاقتصاد غير المنظم، وتأمين مسارهم المهني عبر تعميم الحماية الاجتماعية، وتعزيز قابليتهم للتشغيل". 
كما سعى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من خلال رأيه حول "الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين" إلى إلقاء الضوء على أحد الأشكال الرئيسية للاقتصاد غير المنظم. حيث يفيد التقرير المنجز في هذا الشأن بأنه، وبالرغم من بعض المزايا المحدودة التي يمكن أن تحسب للتجارة الجائلة، إلا أن لها جوانب سلبية متعددة، كالفوضى الناجمة عن الاحتلال غير الشرعي للملك العمومي، والضوضاء، وعرقلة حركة مرور السيارات والراجلين، والتلوث البيئي، والمنافسة غير المتكافئة مع القطاع الاقتصادي المنظم، وترويج بضائع قد تشكل خطورة على المستهلك، وتوسيع حجم القطاع غير المنظم في الاقتصاد الوطني. 
وعلى ضوء دراسة خصائص وأبعاد ظاهرة التجارة الجائلة، وتقييم المبادرات العمومية الرامية إلى معالجتها، يقترح تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في هذا الصدد، عناصر رؤية بإمكانها أن تسهم في تحقيق الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين.
 
السيدات والسادة، الحضور الكريم،
ختاما، أود أن أعرب عن أملي في أن يتكلل تقديم التقريرين المعروضين على أنظارنا بمناقشة مؤسساتية شاملة لموضوع الاقتصاد غير المنظم، وفي أن تفضي هذه المناقشة إلى ترجمة ما سيتمخض عنها من خلاصات وتوصيات إلى مبادرات يستثمرها ويرصدها أعضاء مجلسنا الموقر في إغناء أدائه التشريعي والرقابي وفي مجال تقييم السياسات العمومية.
وأغتنم الفرصة، قبل أن أعطي الكلمة للسيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المحترم، للتعبير عن شكري وامتناني الكبير لوسائل الإعلام التي تواكب معنا أشغال هذا اليوم الدراسي بمهنية عالية. وأحيطكم علما بأن أشغال يومنا الدراسي هذا تبث مباشرة عبر الربط التلفزي الداخلي وعبر القناة الإلكترونية للمجلس.
شكرا على حسن الإصغاء، ودون إطالة أعطي الكلمة للسيد أحمد رضى شامي المحترم، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لإلقاء كلمة افتتاحية بهذه المناسبة.